لا مناص من الوقوع في شراكها!
عنوة أو إذعان جمعي سافر، يهرق البشر حضارتهم في مستنقع مواقع التواصل، يفنون أقدس ما يملكون في مهرجان الهراء والتوسل للشهرة والعراك الأيديولوجي.
ما يعطبه في حيوات الناس، هذا الجهاز الضئيل بحجم كف اليد، أفدح مما تستطيعه جيوش ظلامية مدججة!
لم يحمد البشر النعمة، ولم يحسنوا توقير معجزة هذا الزمن المنزلة بلا نبي، فحلت عليهم ربما لعنة التشرذم.
عالم عابس الملامح، مستباح الخصوصية، يتقن رواده التزييف كما يتقنون نطق أسمائهم! استعبدت فيه الهواتف البشر، عبودية أشد بشعا من الأغلال والزنازين، هواتف ذكية ومستخدمون ليسوا كذلك.
تعيش الأرض مسرحية هزلية بلا سيناريو ولا مخرج، إدمان تطفل قاتل وخوض لا نهائي في جدال صفري، لا قيود ولا ضوابط ولا عقاب، إذن هي فرصة من ذهب لتصدير البلاهة!
لا يدعو المقال هنا _ أو الرثاء بالأحرى _ لوضع العصا في دولاب عجلة التقدم! بل يطرح التساؤل الأكثر جدلية:
من يقود من في هذه المعادلة الخارقة للطبيعة وبديهية الإنسان؟ تحد وجودي شائك وخيال جامح!
ينكمش الكوكب مع قتل التكنولوجيا للمسافات، تصوغ التقنية أبعاد المستقبل، بتغيير السلوكيات والعادات _ طرائق التفكير والتنقلات للمليارات وحتى علاج أجسامهم _ وفي المقابل تورث التقنية البلادة والكسل.
بمجرد التفكير في زوالها يدب الرعب! ولمجرد تخيل ما كانت عليه العصور البدائية يدب الرعب أيضا! لكن لا أحد يهتم باستقصاء أسرار صناعة هذه الأجهزة، بقدر التغلغل في شؤون الآخرين والتطفل على خصوصياتهم!
ماذا عن العالم الموازي؟ لا أدري لماذا قفزت هذه الفكرة للتو، ترى أفلح عالم الجن في التعامل مع هذا السر الكوني أفضل منا؟
لعل فناء الحضارة وزوال التكنولوجيا بات قريبا، توهج شمسي فائق أو حرب عالمية، تنشبها الرأسمالية المحتكرة لأسرار الابتكارات، قد يتكفل بالمهمة، على الأقل حينها لن يعرف الأبله سوى أهله ومحيطه!